أيها المسلمون: إن ذكر الله من أعظم ما تقرب به المتقربون إلى ربهم كيف لا وهو أن تذكر ربك وتحمده وتسبحه وتهلله وتثني عليه الذي له الحمد كله وله الشكر كله قال ابن القيم رحمه الله: ((والذكر هو قوت القلوب الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً وهو عمارة ديارهم وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق وهو ماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق وهو دواء أسقامهم والسبب الواصل وهو العلاقة التي بين العبد وعلام الغيوب، عباد الله وبالذكر يستدفع الذاكرون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم به المصيبات إذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم وهو رياضهم وجنتهم التي فيها يتقلبون وهو رؤوس أموالهم وسعادتهم التي بها يتجرون فهو يدع القلب الحزين ضاحكاً مسروراً والذكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة فذكر الله في كل حال قال تعالى:
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار 
وإذا واطأ القلب اللسان في ذكر الله نسي في جنب ذكره كل شيء وحفظ الله عليه كل شيء وكان له عوضاً من كل شيء، ولقد زين الله بذكره ألسنة الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين، والذكر باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده مالم يغلقه العبد بغفلته قال الحسن البصري رحمه الله: ((تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة والذكر وقراءة القرآن فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق)) وهو روح الأعمال الصالحة فإذا خلا العمل عن الذكر كان كالجسد الذي لا روح فيه، عن أبي هريرة

قال: قال رسول الله

:
((سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يارسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) [مسلم]. وفي المسند مرفوعاً إلى النبي

عن أبي الدرداء

:
((إلا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخيراً لكم من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل)) وروى مسلم في صحيحه عن أبي الأغر قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله

أنه قال:
((لايقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده)) ، عباد الله وصدأ القلب (أي إعراضه وغفلته) بأمرين بالغفلة والذنب وعلاجه بشيئين بالإستغفار والذكر وقد ذكر ابن القيم رحمه الله ثلاثاً وسبعين فائدة للذكر في كتابه القيم (الوابل الصيب) فمنها أنه يطرد الشيطان ويرضي الرحمن عز وجل ويزيل الهم والغم ويجلب للقلب الفرح والسرور ويقوي القلب والبدن وينور الوجه والقلب ويجلب الرزق ويكسوا الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة، ومنها أن الذكر يورث محبة الله ويورث المراقبة حتى يدخل صاحبه في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ويورث الإنابة وهي الرجوع إلى الله والقرب منه فعلى قدر ذكره لله يكون قربه منه ويورث الهيبة لربه عز وجل وإجلاله ويورث ذكر الله تعالى للذاكر
فأذكروني اذكركم 
ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً وقال النبي

يروي عن ربه تبارك وتعالى:
((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) [خ]، ومنها أنه يورث حياة القلب والروح فهو قوتهما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: ((الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء)) ومنها أنه يحط الخطايا ويذهبها ويزيل الوحشة بين العبد وربه وإن بين الغافل وبين الله عز وجل وحشة لاتزول إلا بالذكر ومنها أنه من ذكر ربه في الرخاء عرفه الله في الشدة ومنها أنه ينجي من عذاب الله قال معاذ بن جبل: ((ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله))، عباد الله ومن فوائد الذكر أنه سبب لاشتغال اللسان بأعظم مذكور وهو الله عز وجل ففيه كف اللسان عن الغيبة والنميمة والفحش والباطل فإن العبد لابد له من الكلام فإن لم يتكلم بذكر الله وذكر أوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها فلا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله، والمشاهدة والتجربة أن من عود لسانه ذكر الله صان الله لسانه عن الباطل واللغو ومن يبس لسانه عن ذكر الله ترطب بكل باطل ولغو وفحش ولا حول ولاقوة إلا بالله، ومجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين فليتخير العبد أعجبهما إليه وأولاهما به فهو مع أهله في الدنيا والآخرة والموفق من وفقه الله فانظر إلى الحرمان الكبير انظر إلى من يعرض عن ذكر الله فيخسر الدرجات والحسنات ويربح الأوزار والسيئات ومنها أن الذكر مع البكاء والخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف ومنها أن الإشتغال بالذكر سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطى السائلين فعن عمر

عنه قال: قال رسول الله

: قال الله عز وجل:
((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) [خ].