مزاجي:
|
رد: هذا المتصفح خاص بكتاب ( صناعة الذات) للكاتب أ/ (مريد الكُلّاب)
اتصلت عَليَّ إحدى الأخوات , لا أعرفها , سألتني سؤالاً كان يحكي المعاناة , و يحكي التجربة المريرة , و يحكي الّلوعة التي تجدها في نفسها , كان ختام سؤالها : أُريد أن أنتحر اليوم ! ايش رأيك ؟ ما هي قِصتها التي جعلتها تُفكر بأن تنتحر ؟ تقول : عندما كنتُ صغيرة , في سن العاشرة أو التاسعة من عمري , احترق المطبخ , و كنت في داخل المطبخ , فاحترق جسمي , و احترق وجهي , واحترقَت أرجلي و يديها احترقت , وكلها احترقت , و أُصيبت بتشويه بالغ جداً جداً , وبالرغم من كُل عمليات التجميل إلا أنها استمرت مُشوَّهة إلى درجة تُعبر عنها بأنها درجة مُقزّزة لمن ينظر إليها , تقول : و مع ذلك , حاولت أن أصبر , حاولتُ أن أتكيّف مع الحياة , أكملت دراستي , أنهيت دراستي المتوسطة , أنهيت دراستي الثانوية , دخلتُ الجامعة , كنت أنظر لنظرات الأخريات إليّ فأجد اللوعة تعتصِرُني , كانوا ينظُرون إليّ برحمة , لكني كُنت أحترق , أحترق , أحترق من تلك الرحمة التي أراها في قسمات وجوههم , لا أُريد أحد أن يرحمني , لا أريد أحد أن يُشفق علي , لا أريد أحد أن ينظر إليّ لا أريد أحد أن يتعاطف معي , كانت تلك المشاعر تخنُقني و بالرغم من ذلك أكملت دراستي الجامعية , و أنا الآن وصلتُ إلى الصفر لا أستطيع أن أواصل , عندما أنهت حديثها , قلتُ لها : أختي الكريمة , هل تسمحي لي أن أتحدث إليك بميزة رائعة اكتشفتُها فيك , خلال هذي الدّقائق التي تحدثتِ معي من خِلالها اكتشفت فيكِ ميزة رائعة , أريدُكِ أن تكتشفيها في نفسك , و إذا اكتشفتيها في نفسك , حرام عليك أن تهدري هذه النّفس الرائعة التي تمتلك تلك الميزة الفذّة , تساءَلَت : أنا عندي ميزة , كيفَ عرفت ؟ و ايش هي الميزة ؟ أنا أمتلك شيء جيد , ما هو ذلك الشيء الجيد ؟ كانت تتساءل بذُهول , بِحَيْرة , قلت لها : أُختي الكريمة : أَنتي تمتلكين إِرادة , أَنتي تَمتلكِين عَزيمة , أنتي تمتلكين صبر لا يُذكِّرني إلا بقول ذلك الشاعر الذي كان يقول :
صابرَ الصبرَ الصبورُ حتى قال الصبرُ للصبور دعني
هذا واحد صبور , جاء الصبر يتحداه , الصبر يتحدى الصبور يقول له : أنا أتحداك أن تصبر أكثر مني , و بدؤوا في المنافسة .
صابرَ الصبرَ الصبورُ حتى قال الصبرُ للصبور دعني
فُكّني , خلاص ارحمني , أنا لا استطيع أن أنافسك .
والله أنتِ تمتلكين إِرادة أكثر من طبيعية , بدأت نفسها تَتفتّق أملاً , بدأ الطُّموح يُشقّق بيضة اليأس لِيُخرج رأسه و ينظر إلى الحياة المشرقة التي يمكن لها أن تنطلق إليها إذا ما اقتنت تلك الفكرة و حملتها معها .
وماذا أستطيع أن افعل من خلال تلك الميزة !
اووه , تستطيعين أن تفعلي الكثير , تستطيعين أن تكوني أكثر من عادية في خِدمتك للأُمة و للمجتمع و للناس لأنَّك أكثر من عادية من خلال هذه العزيمة و الإرادة القوية , أنا أعرف الكثير من الناس لو امتلكوا خَمسة بالمئة من تلك العزيمة لنقلوا الجبال من أماكنها , تَشجَّعت , تَحَمّست , انطلقت ...
جاءتْني الأخبار بأنّها الآن وفي هذا اليوم الذي أُحدِّثكم فيه تدير أكبر و أنشط و أوسع مدرسة لتحفيظ القرآن , تخدم النساء في مدينتها , وفي منطِقتها التي تسكن فيها , إذا نَظرنا إلى النُّقطة المظلمة فلن نُشاهد المساحة البيضاء من حولنا , إذا نظرنا إلى نُقطة الضعف فلن نَنظر إلى مزايانا التي نجدها و نحصل عليها بمجرّد أن نراها , هل نعرف ما هي مُميِّزاتنا ؟ هل نعرف ما هي الأشياء التي يمكن من خلالها أن نُحقِّق نجاحاتنا كُلكم تريدون أن تعرفوها و أهم من أن نعرف مُميزاتنا , هو أن نُفكِّر كيف يُمكن لنا أن نُحوِّلها إلى نجاح ؟ و أن نُحوِّلها إلى خطوات نصل من خلالها إلى ما نريد .
صديقي خالد , حبيبٌ إلى قلبي , كان يمتلك ابتسامةً أجمل إشراقاً من البدر المُتلألئ في ليلةِ الخامس عشر من الشهر ابتِسامتُه كانت أخّاذَة , قلت له مرةً : أنت تمتلك ميزة رائعة , ابتِسامتك الفذّة , ابتِسامَتك المُنْسابة على قَسمات وجهك والتي تسحر الأنْظار التي ترنوا إليك تجعل منك بارعاً في الاتّصال بالآخرين و في تكوين العلاقات معهم , كان صاحبي موظف بسيط في أحد الشركات الكبيرة, ترنّحَت في عقله تلك الفكرة , قَلّبها أكثر , رَاجعها , درسها , اتّصلَ علي : أنت تقول أن هذه الابتسامة مِيزة , و من خلالها استطيع أن أكون رجل علاقات عامة ناجح , صح , ما رأيك بأن أضع نصب عيني هذا الهدف أريد أن أكون مدير علاقات عامة في شركتنا العملاقة و الضخمة , ممتاز ماذا ينبغي علي أن اعمل ؟ أضف إلى ابتسامتك مهارات في الاتصال , أضف إلى ابتسامتك مهارات تحتاجها في العلاقات العامة و ضع على رأسها ابتسامتك لكي تُتَوِّجها , عند ذلك تنجح , لم يكن المشوار طويلاً , سنة ونصف , قفز قفزة , كان صاحبي يتقَاضى راتب مقداره ألفين و خمسمئة ريال , صاحبي اليوم يَتقاضى راتب مقداره ستة عشر ألف ريال , الطموح انطلق من خيال , بدأ من فكرة , انتهت الرحلة بالهدف الذي نريده و ليتنا نستمر مُحلِّقين في تلك الأفكار , لكن تعال بنا يا مُحدِّثنا إلى الواقع , الكثير من الظروف , البيئة , المجتمع , الناس من حولنا , أحد الذين يديرون في رأسهم تلك الفكرة يذكرني بصديق لي اسمه أحمد ماهر و أُسمّيه أحمد ماهر صاحب الحظِّ العاثر , و استأذَنتُه بأن أتحدث عن اسمه و عن تجربته في أيّ لقاء ألتقي من خلاله أحبة لي أمثالكم أيها الكرام , أحمد ماهر صاحب الحظ العاثر عندما كان يدرس في المرحلة الثانوية كان بليداً متأخراً في دراسته , ايش المشكلة يا أحمد ؟ الأساتذة لا يُحسنون الشرح ! و الله غلطانين ! أحمد ماهر بخطىً متثاقلة تجاوز الثانوية و دخل إلى الجامعة , بعد أول ست أشهر من الجامعة عمل على تحويل القسم الذي يدرس فيه , ليش يا أحمد ؟ عندي دكتور لا يفهم ! المشكلة أن التخصص الجديد الذي انتقل إليه للأسف وجد فيه دكتور آخر لا يفهم ! ترك الجامعة ! أحمد ماهر بحث عن وظيفة , أحمد ماهر وجد وظيفة , أحمد ماهر بعد شهرين , طُرد من وظيفته , ليش يا أحمد : مُديري مُتسلِّط , مديري لا يريد مصلحة العمل , مديري لا يفهمني , أحمد ماهر تزوج , مبروك يا أحمد , أحمد ماهر بعد ست أشهر طلق زوجته , ليش يا أحمد , زوجتي لا تفهم , أسألكم سؤال , أسألكنّ سؤال : من الذي لا يفهم ؟ أحمد ماهر صاحب الحظ العاثر لا يفهم لأنه يلقي بالمسؤولية على عاتق أي أحد , كثير منا في رحلته لصناعة الذات أول ما يجد كبوة أو عقبة يلتفت حوله : من المسئول ؟ من المسئول ؟ من المسئول ؟ كان الأحرى به أن يفكر كيف يمكن لي أن أعالج هذه المشكلة بنفسي كيف يمكن لي أن أتحمل المسؤولية و أن أفكر في الحل .
دعوني أحدثكم عن قصة إذا تحدثت عنها وقفتُ إجلالاً لبطلة تلك القصة , بطلة تلك القصة أراها دائماً كلما رأيتها ضربت لها تحية إجلالاً و احتراماً و تقديراً , بطلة تلك القصة أعرفها تماماً وكل واحد منكم في هذه القاعة يعرفها تماماً , أنا رأيتها وكلٌ منكم سبق وأن رآها , تلك البطلة نراها في بعض المرات تمشي على الجدار تتسلق بعزيمة و بطموح و بقوة وبأمل ترى هدفها بعيداً , قريباً من السقف ربما يكون هدفها نقطة أو حبة سكر وربما يكون هدفها شيئاً حلواً يسيل على طرف الجدار وربما يكون هدفها أن تعود إلى مسكنها في ثقب أحد أفياش الكهرباء في الجدار و هي تحمل على كتفها حبة أرز حملتها مشواراً طويلاً تصعد إلى لجدار فيأتي أحد العابثين يضربها بيده فتسقط على الأرض و مع ذلك تقوم بسرعة و بنشاط و بطاقة عالية تحمل حبة الأرز و تعود لتصعد من جديد لأنها هي المسئولة عن الوصول و ليس الذي ضربها تلك البطلة المحترمة هي النملة من منكم سبق له و أن وطأ نملةً بقدمه , حرام عليه حبيبتي النملة لا تطؤوها بأقدامكم , النملة إذا سقطت على الأرض تعرف أنها هي المسئولة عن النجاح الذي تريد أن تحققه و لو استجابت لك وأنت تلاحقها بأطراف أصابعك أو لو استجابت لكي و أنتِ تلاحقينها بأطراف أصابع المكنسة لما حققت هدفها يوماً من الأيام تلك النملة علّمتنا كيف نتحمل المسؤولية و علّمتنا كيف يكون الذي يتحمل المسؤولية محترماً مقدراً لدرجة أنه يذكر في القرآن , كلّنا قرأنا قوله سبحانه و تعالى ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) هل قرأتم تلك الآية ما هي قصتها .. سليمان عليه السلام يسير وخلفه الجيش الكبير يسيرون سراعاً أمامهم من بعيد مجموعة من النمل يسعون في طلب الرزق حول بيتهم , النمل ينظر مذهولاً للجيش القادم من بعيد , من بين النمل الذي أطال النظر للخطر القادم نملة واحدة كانت مبادرة راحت تصرخ : أيها النمل ادخلوا مساكنكم , راحت تحذرهم , تلك النملة هل كانت مديرة النمل هل كانت قائدة النمل ؟ ربما كانت الشغالة و ربما كانت السائق الله أعلم , لكنها هي التي ذكرت في القرآن لأنها هي التي تحملت المسؤولية وهي التي راحت تصرخ محذرةً النمل : اهربوا , عودوا إلى مساكنكم احذروا من الخطر القادم , تلك النملة كانت حَريةً بأن نحترمها و أن نقدّرها هل سبق لأحدِنا أن كان ماراً في الطريق و شاهد زجاجةً منكسرة على الأرض فتركها وقال هذا شغل البلدية , لو كان ذلك الشخص يمتلك مبادرة النملة لجمع الزجاج و قال ليست المسؤولية مسؤولية البلدية و إنما نحن جميعاً نتحمل المسؤولية , تلك المسؤولية على الأقل من باب إماطة الأذى عن الطريق , الذي يتحمل المسؤولية سيجد مئة مبرر لكي يحملها و أول تلك المبررات هو أن السبيل الوحيد نحو النجاح هو تحمل المسؤولية , بإمكاننا أن نبقى طويلاً داخل خيمة الفشل و نرمي على عاتق الآخرين كل ما يُصيبنا و كل ما يُعيقنا وكل ما يقف في طريقنا , و بإمكاننا أن نفكر كيف يمكننا أن ننطلق برغم الظُّروف التي نحن فيها , كيف يمكننا أن نكون أفضل برغم ما نحن عليه الآن ؟
توقيع : ~StrAnGer~ |
[OVERLINE]Without a signature[/OVERLINE]
|
|